إحترام الأخرين الإحترام يعني الإجلال و التوقير ، و الإحترام سمة العقلاء الأفاضل ، و لعل من أبرز ما تعانيه المجتمعات اليوم هو وجود أزمة إ...
إحترام الأخرين
الإحترام يعني الإجلال و التوقير ، و الإحترام سمة العقلاء
الأفاضل ، و لعل من أبرز ما تعانيه المجتمعات اليوم هو وجود أزمة إحترام بين أفراد
الشعوب ، حيث إن قلة الإحترام تفسد الود المتبادل بين الناس و تفضي إلى التدابر و
التخاصم.
إن احترام الآخرين مبنيٌ على الأسس الطيبة التي يراها
الآخرون ويقتنعون بها وليست دائماً كما يظن الأشخاص الذين نبدي الإحترام لهم ، فقد
يقوم شخص ما بتصرف معين قاصداً بذلك إحترام شخص أمامه فيفهم ذلك الشخص تصرفه على
غير ما أراده مصدره فلا يفهمه منه إحتراماً بل لربما فهم عكس الإحترام تماماً و هو
ما يسمى الإزدراء، و حتى لا يتيه القارئ ، فإن الأمر ليس بتلك الدرجة الحساسة في
التفريق بين الإحترام و الإزدراء ، و لكن أحياناً قد يخون التعبير قائل الكلام أو
تخون الإشارات و الإيماءات مصدرها فتفهم على غير وجهها.
الإحترام ليس مبناه المبالغة في المدح ، فإحترامك لشخص لا
يعني أن تمدحه بما ليس فيه فهذا نفاق و كذب و ليس إحتراما على أي حال ، و إنما
الإحترام هو توقير الشخص و إجلاله، فالإحترام أنواع ، فنحن نحترم كل إنسان لأنه
مخلوق مكرم ، فالشخص العربي المسلم مثلاً يحترم العربي و غير العربي و المسلم و
غير المسلم ( لأنه إنسان ) بمعنى أنه لو زاره مثلاً لأجلسه على كرسي في بيته و ليس
على الأرض ( سواء أكان غير مسلم أو غير عربي أو حتى طفل ) فهذا إحترام آدمية.
و من أنواع الإحترام ، إحترام العالم لعلمه و إحترام
الوالدين لحقهما على أولادهم و إحترام المعلمين لتعبهم في توصيل العلم لنا و
إحترام القانون و النظام لأنه يكفل إنضباط حياتنا و هكذا ، و كمثال للتفرقة بين
أنواع الإحترام ، لو أن مجرماً وقع بين يدي العدالة لإرتكابه أبشع أنواع الجرائم ،
فبالتأكيد فإنه يسقط إحترامه بين الناس كمؤمن و كعاقل و بالنسبة لأسرته مثلاً يسقط
إحترامه كأب أو كأخ ، و لكن مثلاً لا يسقط إحترامه كإنسان فهو إن سجن مثلاً يسجن
مع البشر لا مع القوارض و إن حكم عليه بالإعدام أعدم بطريقة تليق بإحترام إنسانيته
ولا يذبح على طريقة ذبح الشاة مثلاً ، و لا يعذب أثناء إعدامه كرامة و إحتراماً
لإنسانيته.
ان
الإسلام أوصانا على أمور عدة , ولم ينسى شيء منها فذكر لنا كيف نتعامل مع الأخرين
وكيف نعاملهم وكيف نحترمهم حتى وان كانو أعدائنا. ياله من دين لم ينسى كبيرة ولا
صغيرة , لكي نعيش بسلام وإحترام مع الآخرين .
إن
تربية الإسلام وتعاليمه في الوقت الذي تبني فيه فكر الإنسان المسلم ومشاعره على
أساس عبادة الله وتوحيده والالتزام بدينه الحق فانها تركّز في نفس الوقت على
احترام الإنسان كإنسان مهما كان دينه ما لم يكن معتديا ظالما أو محاربا للحق.
فالناس "صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق" كما يقول الامام
علي بن أبي طالب
.
واحترام
الإنسان يعني حرمة حقوقه المادية كجسده وماله وحقوقه المعنوية كحريته وكرامته
واختياره لدينه. من هنا يرفض الإسلام اضطهاد الناس على أساس دينهم أو اعتقاداتهم،
بل ويوصي الإسلام أبناءه بأن يكونوا المثل الأعلى في الأخلاق وحسن التعامل مع
الآخرين، حتى لا تحسب تصرفاتهم غير اللائقة على الإسلام فتشوّه سمعته وتنفّر
الآخرين منه.
إن
القرآن الحكيم يشجّع المسلمين على البرّ والإحسان للكفار غير المعادين المحاربين
يقول تعالى : (لاَ يَنهَاكُم اللَّهُ عَن الَّذِينَ لَم يُقَاتِلُوكُم فِي
الدِّينِ وَلَم يُخرِجُوكُم مِن دِيَارِكُم أَن تَبَرُّوهُم وَتُقسِطُوا إِلَيهِم
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقسِطِينَ)
وإذا
كان مطلوباً من المسلم أن يدعو إلى دينه وأن يوضّح بطلان وفساد الأديان الإخرى إلا
ان ذلك يجب أن يكون بأسلوب لائق لا يجرح مشاعر الآخرين ولا ينفّرهم ، يقول
تعالى:(وَلاَ تُجَادِلُوا أَهلَ الكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ إِلاَّ
الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنهُم)
.
وما
أروع تأديب الإسلام لأبنائه وتربيته لهم على احترام الآخرين حينما ينهي القرآن
الحكيم المسلمين عن سبّ أصنام الكفّار وأوثانهم !! لماذا ؟ لأن الكفار يعتبرون
الأصنام مقدسات لهم، وكل إنسان يدافع عن مقدساته وان كانت زائفة باطلة، فإذا اعتدى
المسلمون وأهانوا مقدسات الكفار فستكون ردة الفعل الطبيعية للكافرين إهانة وسبّ
مقذسات المسلمين، ولا يرضى الإسلام تبادل الإهانة والسبّ كلغة حوار وتعامل بين
أصحاب الأديان فلنتأمل الآية الكريمة التالية ولتندبّر في أبعادها العظيمة، يقول
تعالى:(وَلاَ تَسُبُّواء الَّذِينَ يَدعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّوا اللّهَ
عَدوًا بِغَيرِ عِلمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُم ثُمَّ إِلَى
رَبِّهِم مَّرجِعُهُم فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعمَلُونَ ) .
فالآية
الكريمة تلفت أنظار المؤمنين إلى عدة حقائق يجب أن يأخذوها بعين الاعتبار في
تعاملهم مع الآخرين:
ا-
إن كل أمة أو جماعة لها مبدأ فإنها تعتقد بقداسته وان كان باطلا في نظر الآخرين
(كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُم).
2-
الإنسان
مسؤول أمام ربه يوم القيامة، ولا يحق لأحد في الدنيا أن يفتش عقائد الناس ويحاكمهم
على أديانهم، فذلك الأمر موكول لرب الخلق يوم الحساب.
3-إن أي فعل تجاه الآخرين يسبب ردّ فعل
من نوعه وجنسه، فإذا كان المسلمون حريصين على احترام دينهم، ومقدساتهم فعليهم أن
يحترموا أديان الآخرين ومقدساتهم في ظاهر التعامل معهم وإلا فليتوقعوا الإهانة
لمعتقداتهم حينما يسبّون معتقدات الآخرين.
وقد
وردت أحاديث ونصوص كثيرة تؤكد على المسلمين حسن التعامل مع الآخرين ففي سنن أبي
داوود عن رسول الله : "ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته
أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة".
إن
من حق كل من يعيش في ظل الإسلام أن يتنعم بالعدالة ويشمله التضامن والتكافل
الإجتماعي وان لم يكن مسلماً، ففي عهد الإمام علي بن أبي طالب مرّ شيخ مكفوف كبير
يسأل، أي يستجدي الصدقة من الناس، فانزعج الإمام من هذا المشهد وقال: ما هذا؟ ولم
يقل: من هذا؟ ذلك لان هذه الحالة غير مقبولة ولا مرضية بغض النظر عن دين صاحبها.
وحينما أجابه أصحابه: هذا نصراني ! ردهم الإمام غاضبا بقوله: استعملتموه حتى
إذا كبر وعجز منعتموه! أنفقوا عليه من بيت المال .
ولم
يكتف الإسلام باحترام الأحياء من إتباع سائر الأديان بل ترى النبي (صل) يحترم
بنفسه أمواتهم ويأمرنا بذلك أيضا. ففي صحيح البخارى بسنده عن جابر بن عبد الله
قال: "مرّ بنا جنازة فقام لها النبي وقمنا به، فقلنا يا رسول الله، انها
جنازة يهودي! قال: "إذا رأيتم الجنازة فقوموا".

ليست هناك تعليقات